◄(إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء/ 103). الصلاة عبادة يومية، محددة الأوقات والركعات.. يقف فيها المسلم بين يدي الله سبحانه، خمس مرّات في كل يوم، يوحده ويعبده ويدعوه ويطلب منه العون والمغفرة والهداية. لذا كانت الصلاة وسيلة لطهارة النفس من المعاصي والآثام، ولإصلاح السلوك، وتربية الإنسان على فعل الخير والابتعاد عن الشرّ.
قال الرسول الكريم (ص) مُشبهاً الصلاة بالماء الذي يُطهِّر الإنسان من النجاسات والأوساخ: "لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل في كل يوم منه خمس مرّات، أكان يبقى في جسده من الدرن شيء؟ قلنا: لا. قال: فإنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري، كلما صلّى صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب" (العاملي/ وسائل الشيعة/ ح3487).
فالإنسان حينما يقف في الصلاة بين يدي الله سبحانه، ويقرأ سورة الفاتحة، التي فيها الحمد لله والثناء عليه وفيها طلب الهداية والاستقامة، والبراءة من الضالين، ومن الذين غضب الله عليهم، إنما يُربِّي نفسه ويُعوِّدها على الاستقامة وحبّ الخير والابتعاد عن الشرّ والأشرار، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت/ 45).
فالصلاة تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر، وتربي في نفوسنا حبّ الله والخير للناس.. فالمصلي مثلاً حينما يرفع يديه بالدُّعاء في الصلاة ويقول: "ربّنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب"، إنما يدعو بالخير لنفسه ولوالديه ولإخوانه المؤمنين.. والصلاة تُطهِّر النفس من التكبُّر والغرور، فالمسلم عندما يركع ويسجد خضوعاً لله، ويقول في ركوعه: "سبحان ربّي الأعلى وبحمده"، إنما يعلن بذلك خضوعه لعظمة الله، ويقر بضعف الإنسان أمام خالقه، ويتبرّأ من الغرور والكبرياء، ويشعر بالمساواة مع بقيّة إخوانه، لأنّه يخضع ويسجد لله كما يخضعون ويجسدون، ويقف معهم صفاً واحداً في الصلاة. وقد وضَحت لنا الصِّدِّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هذا المعنى في بيان بعض فوائد الصلاة، فقالت: "والصلاة تنزيهاً من الكبر" (المجلسي/ بحار الأنوار/ ج6/ ص107/ ح1).
والصلاة تُصلح الفرد والجماعة، إذ تجعلهم مُرتبطين بالله، يذكرونه ولا ينسون ذكره، ويوحدونه ويُخلصون له الطاعة والعبودية، ويكفرون بالطواغيت، ويتبرّأون من الضالّين والظالمين. والمصلي يشعر بذلك حينما يقول في صلاته: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ).
لذلك يوضح الرسول الكريم (ص) عظمة الصلاة، ويتبرّأ ممّن يتركونها بقوله: "لا ينال شفاعتي مَن استخفّ بصلاته" (نفس المصدر/ ج18/ ص241/ ح27).
وعنه (ص): "لا تدع الصلاة مُتعمِّداً، فإنّ مَن تركها مُتعمِّداً، فقد برئت منه ملة الإسلام" (العاملي/ وسائل الشيعة/ ح4466).
ويُحذِّرنا القرآن الكريم من الإستهانة بالصلاة، فيقول: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون/ 4-5).
ويحدِّثنا عن تاركي الصلاة، وعقابهم في جهنّم، وسبب دخولها، فيقول: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (المدَّثر/ 42-43)، بل إنّ بعض الأحاديث الشريفة تؤكد على أنّ ترك الصلاة يُعرِّض المسلم إلى أمر خطير جداً، وهو الكفر، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف: "ما بين الكفر والإيمان إلّا ترك الصلاة" (العاملي/ وسائل الشيعة/ ح4468).
من ذلك نعرف أهميّة الصلاة، وعظمتها في الإسلام.. فهي تُمثِّل هُوية الإنسان المسلم، وتُميِّزه عن الكافر.. إنّ كل ما قد يشغلك عن الصلاة، كاللعب والنوم، يمكن تأجيله قليلاً إلى ما بعد أداء الصلاة في وقتها، لأن كل تلك الأُمور لن تكون ذات قيمة عند الله في الدنيا والآخرة.. أمّا الصلاة، فهي التي تبقى وتثمر وتجد جازئتها الكبرى يوم الحساب. ►
المصدر: كتاب بساتين الإيمان
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق